الآباء أكلوا الغلّة والأبناء يجترون الذكريات - الطاهر وطار

     Les Pères Ont Mangé La Récolte Et Les Fils Remâchent Les Souvenirs - Attaher Wattar

 

وفجأة اكتشف الأبناء أن خيرات الوطن استنفذها الآباء، ولم يبق لهم سوى ذكريات عن دلال تمتعوا به في صباهم.

البعض منهم أصيب بالبله، يكفيه أن يسند ظهره إلى جدار ما، ويروح يتأمل أنواع السيارات والبنات التي تمر أمامه، ينام معظم النهار، ويقوم معظم الليل. إذا وجد قرصا مخدرا غاص في جنة الخلد، وإذا لم يجده، ينهمك في لوك غيظه في عمقه.

البعض منهم أصيب بشيخوخة مبكرة، فقفز على جميع مراحل العمر، ليجد نفسه في حالة تصوفية غريبة. يعتزل الحياة وما فيها وينهمك في الاستغفار من ذنوب لم يأتها، ناكرا كل مظهر من المظاهر التي كانت لربما السبب في تشوه أبيه وأهله ومجتمعه.

البعض الآخر راح "يتمظهر" كما لو أنه اللعنة التي لحقت والديه، المظهر الخارجي والسلوك أوروبيان. يقضي ليله في الملاهي والمراقص، ويقضي ما تبقى من نهاره في السيارات المكيفة والطائرات المحلقة.

البعض الذي رزق ـ بهذه الصفة أو تلك: وساطة، رشوة، جمال خارق ـ بوظيفة أو بشغل ما، لا يمكن إقناعه أبدا بأن المطلوب منه أن يبذل الجهد مقابل ما يحصل عليه. كل الخلق يرزقه الله من حيث لا يحتسب، فلماذا أنا بالذات يطلب مني أن أبذل جهدا، لو كانوا فعلا يريدون جهدا لما وظفوني بهذه الصفة. ثم من أدخلني هنا بإمكانه أن يدافع عني ويحميني، ولقد أوصى بي خيرا ما في ذلك من شك.

القاسم المشترك بين هذا الجيل، هو الانفصام عمن سبقه، والانفصام عن الزمان والمكان، ثم اللامبالاة.

الجميع واثق من أن كل ما حدث في هذا البلد عارض زائف، وأن الطريق مع ذلك مسدود أمام تغير نافع. لكن هناك ومضات ضوء خافت، ترسله شمعة ما، في منارة ما، في دهليز ما، تجتذب أناسا آخرين، معظمهم من الشباب، نحوها، فتجعلهم أشبه ما يكونون بسمك السلمون، لا يبالون في صعودهم نحو النبع، بالموت الذي يرافقهم في كل قطرة ماء، والذي ينتظرهم حال الإخصاب.

إن رحلة  تجاه النبع الذي ولدنا الأجداد فيه، تجري، وإننا لنحاول تجاوز الآباء بذلك، على خلاف سمك السلمون الذي يفقد آباءه حال اقتحامه للحياة.

الشمعة والدهاليز ص 114

الأسئلة:

1-  أي الشرائح الاجتماعية يعنيها الكاتب في النص؟ علل إجابتك.

2-  بين عدد الفئات التي ذكرها الكاتب من هذه الشريحة، وسلوك كل فئة.

3-  ما القاسم المشترك بين هذه الفئات في نظر الكاتب؟

4-  هل توافق الكاتب في تصنيفه وعرضه لأوضاع هذه الشريحة في بداية التسعينيات، وما هي أوضاعها الآن؟ دعم رأي الكاتب أو ادحضه بأمثلة من واقعك، وواقع أقرانك من حولك.

5-  هل ترى أن الكاتب متفائل أو متشائم في نظرته إلى المستقبل؟ علل إجابتك بشاهد من النص.

6-  إلام ترمز الشمعة في النص؟

7-  ما العلاقة بين سمك السلمون والجيل الجديد؟ وماذا يعني الكاتب برحلة تجاه النبع الذي ولدنا الأجداد فيه؟

8-  ما الحلول التي تقترحها لمشاكل هذه الشريحة؟ وكيف توازن بين حقوقها وواجباتها؟

9-  ما غرض الكاتب من النص؟

10- ما التقنية التي استعملها الكاتب في عرض موضوعه؟ وما ميزتها في نظرك؟

11- ما العاطفة التي تحس بها من خلال النص نحو كل فئة من هذه الشريحة؟

من كتاب "المواضيع الاجتماعية"                     

الفصل الثاني: مقتطفات من المواضيع الاجتماعيّة